قصة ابنة بائعة اللبن
وفي اليوم التالي كنت أفترش أرضية السوق وأمامي حقائب بها بعض زجاجات اللبن وقطعا من الجبن وقليل من البيض، وبعد قليل من الوقت فوجئت بذلك المعيد القاسي يقف أمامي ويديه خلف ظهره، يبدو أن بهما شيئًا يحاول إخفاءه، تلقائيًّا غطيت وجهي بوشاحي ظنًّا مني أنه بالتأكيد سيتذكرني إن رأى وجهي فآثرتُ إخفاءه، لكنه ضحك ضحكة طويلة ثم هتف:
-أيعقل أن يخجل المكافح من كفاحه؟!
ثم أخرج شيئًا من وراء ظهره وهو يهتف:
-هذا هو الكتاب الذي قمتُ بطردك بالأمس لأجله، ومعه كل الكتب التي تحتاجينها، لم أقصد إهانتك ظننتك فتاة لعوب مستهترة، وأكره هذا الصنف من الفتيات، أيمكنك أن تقبلي اعتذاري؟! فبكيتُ.
في اليوم التالي ذهبت إلى الجامعة، كنت راضية عن الفقر والظروف والمرض، كنت معجبة بكفاحي ومؤمنة أن هذه هي معركتي التي خلقني الله لأجلها، وجاء المعيد وبدأ محاضرته قائلا:
-لم أكن مرفهًا يومًا ولم أولد وبفمي ملعقة من ذهب، في وقت مضى كنتُ عاملًا باليومية، وسائق تاكسي، وسباك. وكثيرًا كثيرًا ما نمت وأنا جائع! ثم أتبع:
-أحببتُ أن أشارككم جزء من قصتي.
في قرارة نفسي كنت أعلم أنه يخصني أنا بهذا الجزء، أنه يقصدني أنا من بين ألف طالب، فأحببت الحياة ورضيت عنها، ما زال في هذه الدنيا أناس طيبون لا يبخلون بالكلمة الطيبة ولا يحبسون الاعتذار في صدورهم!
وفي اليوم التالي وبينما أجلس بالسوق أمارس عملي، لأنه مصدر رزقنا الوحيد إذا به يقف أمامي ببذلته الأنيقة ورباط عنقه الجميل متسائلًا:
-كيف حال بائعة اللبن؟!
قلت: بخير.
-أظن أنها لم تعد تخجل من عملها!
-بل وتحبه، إنه قدر الله، كيف للمرء أن يكره قدر الله؟!
ومن دون مقدمات جلس على الأرض ببذلته الأنيقة إلى جانبي، وتعالى صوته، البيض والجبن واللبن .. من يريد؟ الزجاجة بثلاثين جنيهًا!
ضحكت من أعماقي، آمنت أن الخير يكمن في الشر، وأن الله ما انتزع منا شيئًا إلًا ليعوضنا بشيء أفضل منه، إن الله كريم!
في هذا اليوم أنهيت عملي باكرًا بفضل تصرفاته الجميلة ولفت أنظار المشترين، كيف لأنيق مثل هذا الشاب أن يبيع اللبن بسوق شعبي كهذا! وفي نفس اليوم بدأ المحاضرة بقوله:
-بالمناسبة نسيت أن أخبركم أنه يومًا ما إلى جانب عملي كسائق أو عامل باليومية أو سباك عملت بائعًا للبن!
بعد أيام قليلة كنت أُزف لأستاذي بالجامعة، إنه يحبني بفقري، بعبء أمي وأخي، بملامحي البسيطة والتي أشعر أنها لم تعد كذلك بالمناسبة، في الحقيقة أصبحت أحس أنني جميلة جدًا، أشعر أنني توهجت منذ أن أحبني الرجل الصادق!
أين ذهب عادل، وأين ذهبت والدته؟!
الحمد لله أن “عادل” قد تخلى عني من البداية، والحمد لله أنني طردتُ من الجامعة، الحمد لله على فقري، وممتنة جدًّا جدًّا لوظيفة بائعة اللبن، كل هذه الصعاب جذبتني مِن عنقي رغمًا عني لتضعني في طريق الرجل الصحيح، أكتب هذا المقال وهو يقرأ لي روايتي المفضلة بالمناسبة، إنه يحبني ولا يؤذيني ويدللني دائمًا، ويحب أن ينعتني دائمًا بقوله لي “يا ابنة بائعة اللبن”!
اذا اتممت القراءة لا تبخل بوضع اعجاب والتعليق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
ولاتنسي متابعة للصفحة